المستشار
طالب مراد -هولير-17.5.2013
الغربه لعقود والتنقل من وظيفه لاخرى في شتات كثيره اهلتني وبكل جداره للحصول على لقب"اليهودي التائه" واول من اعطاني اللقب زوجتي وشريكت حياتي لاربعة عقود"ام دانا". أصل حكاية اليهودي التائه ربما يعود للقرن الثالث عشر وذلك بالإيمان المسيحي بأن اليهود فقدوا وأنهم تشتتوا في الأرض عقابا لهم على قتلهم المسيح وحكايه اخرى تقول بان اليهودي التائه شخصية يهوديه خيالية حكم عليه بالتجوال الأبدي على الأرض عقابا له على ضرب المسيح ، فنحن الفيليون ومنهم انا وعائلتي تشتتنا لالكوننا قتلنا السيد المسيح او ضربناه. جريمتنا الوحيده هو ان طارق ابن عزيز ابن حنا كان يظن باننا قتلنا السيد المسيح. لقد تشتتنا ( واصبح طشارنا ماله والي) في عهد صدام واما في عهد مابعد صدام" فخرجنا من المولد بلا حمص".
رغم ان عملي في الامم المتحده كان حقليا الا انني كنت احصل احيانناعلى مكاتب لااداء عملي الكتابي فيه .مكاتب صغيره ومتواضعه لانني على يقين وعلمتني الايام بان مساحة المكتب يتناسب تناسبا عكسيا مع قابيلية استيعاب دماغ الشخص الشاغل للمكتب و خاصتا في دول العالم الثالث. وعلمتني الايام كذالك عدم تقيد الكثير من ابناء شعوبنا باداب وثقافة دخول المكاتب . فهذه الشعوب كيف تتقيد باداب دخول المكاتب اذ لم تتقيد اصلا باداب دخول المنازل حيث قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون). ياالاهي كم من جلاوزة البعث وزوار الليل دخلوا بيوتنا من دون اذن واما السلام علينا فلم يخطر ببالنا بل كانو يبصقون في وجوهنا دخولا وخروجا وكم من مصائب وجرائم وفضائح ارتكبه هولاء الاعراب في منازلنا.
تنقلي في وظائف اكاديميه وامميه واشغالي لمكاتب "علكد الحال" علمتني لا بل اصبحت عندي موهبه لمعرفت شخصيه طالب اذن الدخول ولو ان اكثرية من يدخلون المكاتب في العالم الثالث لايستاذنون او يطرقون الابواب ويدخلون المكاتب قبل الحصول على الاذن بالدخول.
بعد وصولي الى أربيل للعمل كمستشار لرئيس مجلس وزراء الإقليم لشون الزراعه والامن الغذائي , باقل من عام واستقراري في اصغر مكتب في البنايه وفي الطابق الثالث وامام المقهى الذي كان يديره اثنان من الجايجيه تابعين للحزبين الحاكمين , طرق باب مكتبي طارق ثقيل اليد ومن الطريقه الاستعلائيه لطرق الباب تدل على انه رئيسي المباشر والذي نادرا ما اقابله في مكتبه فكيف يتنازل ويزورني في مكتبي او انه واحد من الذين حصلو على مكاتب واسعه جدا من الحكومة ومعها الحمايه والسيارات والسكن ومتطلبات الوجاهه والفخفخه. لم ينتظر الزائر ردي ودخل المكتب مصحوبا بزميل لي ويتبعهم احد "الجايجيه" حاملا صينيه فيها ثلاثة "استكانات" شاي حيث طلب الزائر الشراب التقليدي الذي يقدم في المكاتب من المقهى قبل ان يصل الى مكتبي. وجلس هو وزميلي على الاريكه الوحيده الموجوده في مكتبي .
قدم الزائرنفسه بانه كان مدير عام في حكومه إقليم كوردستان ولسنوات عديده ومن احد أصدقاء اخي عادل جاء خصيصا ليرحب بي في كوردستان وبعد السوال عن صحتي و سبب صغر مكتبي وقال بانه مدير عام "معوم" هو مصطلح جديد في عالم الوظائف استحدث في اقليم كوردستان ولا اعتقد بان منظمة العمل الدوليه التابعه للامم المتحده على درايه بهذ الابداع المستحدث في الاقليم. المُعوم هو حزبي او قريب احد المتنفذين فقد وظيفته الخاصه ولكن يبقى حاله على ما هو عليه وعادة ما يتخلى المُعوم عن مكتبه الشخصي فقط , لشخص اخر ويحتفظ بكل امتيازاته الاخرى وهذا لايعني بان الشاغل الجديد للمكتب احسن حالا او اكثر قدرتا وكفائتا من الذي سبقه واما القدرات والكفائه والاختصاص فهذه المواصفات غير موجوده في استمارات التقديم للوظيفه الخاصه وما فوقها لانه اصلا لاتوجد استمارات تملى لهذه الشريحه المتنفذه.
وبعد ان افرغ الاخ المُعوم استكان الشاي دفعه واحده القى علي السوال الذي جاء من اجله وقال اين يقع ال 600 متر مربع الذي استلمته كمستشار لدى الحكومه هل هي في "وزيران" او"بختياري" وهما من الاحياء السكنية "الراقيه" في اربيل و سمعت بان اكثر بيوتها واراضيها هي هبة من هبات الحكومه للاشخاص المحظوظين والمقربين من السلطه واحزابها ومن اقرباء العوائل المتسلطه. توقعت اي شي من الزائر الثقيل الا هذا السوال المستفز جدا والتي كانت وقعها علي كان اكثربكثير من الصفعه التي استلمتها من يد ناظم كزار المباركه قبل 46 سنه . الصفعه التي اتذكرها مدى الحياة ويوميا خاصتا عندما استعمل جهاز السمع. ومنذ قدومي الى كوردستان كنت اخشى بان اواجه شخصا بصفاقة هذا الرجل الجالس امامي وافتقاره الى ادنى درجات الحياء واللباقه الاجتماعيه. واثناء فترة الانعاش من الصدمه التي استلمتها من هذا الجاهل تذكرت القصه التي تعلمتها من كتاب القراءه في الدراسه الابتدائيه في مدرسة الفيليه وهي لو ان الفحم لايحرق يديك فبكل تاكيد يلوث يديك. فها انا ادفع الفاتوره وتلوثة ايدي بفحم لم اقرب منه لاني قبلت بهذا المنصب .
على اثر ذالك الاستفزاز قررت كتابه ذمه ماليه متكامله لحياتي الوظيفيه وبمواصفات اوربيه وامميه لاعطاء نسخه منها للحكومة ونشرها في موقعي الشخصي ,هنا ايضا تدخل بعض الاصدقاءلانهم اعتبروها تحرش" بكورة زنابير". لقد كنت طيلة حياتي اعمل بمرتب و ان هناك حقيقه ثابته وهي انه مهما كان مرتب الموظف مرتفعا فانه لايودي الى الغناء الفاحش الذي يعيشه البعض والحليم تكفيه الاشاره. مازلت سنويا اعدل ورقة الذمه الماليه على امل ان انشرها يومما واعتقد بانها ستكون الوثيقه الاولى والاخيره تنشر لموظف عمل ثلاثة سنوات مع الحكومه لافي كوردستان وبل في العراق والتي من المفترض على للموظفين العمومين ذوي الدرجات العليا تقديمه لجهة العمل ونشرها للعموم .
قبل ان يغادر ضيفي اردت ان اطفى غليلي وقلت له وبنبره متحديه يااستاذ لعلمك لا انا ولاعائلتي المباشره (الزوجه والاطفال) نملك سنتيمتر مربع واحد من الاراضي لا في العراق ولا في كوردستان ولا املك اي شي منقول وغير منقول ولا حتى دراجه هوائيه في هذا البلد ولم اساعد احد في الحصول على اي شي منقول وغير منقول وكل مااملك هي عدة ملايين من الدنانير العراقيه اليتيمه التي تفقد قيمتها في بنك محلي في اربيل. وانا متاكد بانه لم يصدقني بتاتا عندما ترك مكتبي على عجاله.
لقد عملت لسنوات كمستشار اقليمي في الامم المتحده وانا ملم بمهام ومتطلبات الوظيفه ومارستها لفتره طويله وفي دول كثيره وكلها من دول العالم الثالث وعندما كنت احس بان الذين اقدم لهم الاستشاره لا يوجد عندهم الاستعداد او يتقاعسون في اداء ماامليه عليهم فاني كنت اقل اول طائره واعود الى مكتبي في القاهره واكتب تقريري الى مقر المنظمه ولكن في كوردستان لمن اقدم تقريري ان قابلية الساسه وفهمهم للتقارير النقديه البنائه تكاد تكون معدومه او يهملونها.
اما في كوردستان رغم ان كلمة مستشار غير محببه عند العامه لانها الاسم الذي اعطاه صدام حسين( وهي نقله نوعيه من كلمة جحش القديمه) للكورد اللذين نفذو خططه وجرائمه في كوردستان ومنها جرائم الانفال وكان هناك نوعين من المستشارين قسم منهم كان يقود كتائب مسلحه اجراميه وعمليا كانو قد شاركو علي كيمياوي في جرائمه ونفذو له جرائم الانفال وقسم اخركان يجلس في مكاتب "فسيحه" يكيد المكائد ضد شعبه ويبرر جرائم صدام ضد الشعب الكوردي. وبعد سقوط الطاغيه غير الكثير منهم ملابسهم الكورديه بالبد ل والاربطه الانيقه ويساعدون الان هم واولادهم واحفادهم في دفع عجلة "الاقتصاد" .
وكما كان هناك نوعين من المستشارين في كوردستان ايام صدام فقد تكرر الوضع بعد سقوط الطاغيه والان عندنا فصيلين منهم وهم المستشار الناجح هو الذي يقول للحاكم مايحب سماعه. مهمته ان يمدحه ويطريه ويثبت له صحة نضرياته.وان يرش الورد والعطر على اخطائه. وان يوصي زميله المستشار الاعلامي و بتفديمها للتلفزيون والصحافه الحزبيه في صورت انجازات وابداعات واما موهلات وقابليات المستشار فهذا غير مهم لمروسيهم. واما المستشار الفاشل هو الذي يتجرء ويسمي الاشياء بمسمياتها فالابيض ابيض والاسود اسود وهم قله نادره.