ذكر الحاكم بأمر أمريكا السفير بول بريمير في كتابه "عام قضيته في العراق", ولاية قطر العظمى قائلا بأنه "لا يمكنك ألا تلاحظ الثراء الواضح لهذه الامارة الغنية بالنفط. كانت القصور الرخامية البيضاء متناثرة مثل شواهد القبور في الصحراء. وبدا أن ثمة سيارة بي ام دبليو أو رولز رويس بين كل سيارة وأخرى. يقيم نحو 160.000 قطري ونحو 700.000 وافد في البلد: يؤدي الوافدون من جنوب آسيا الأعمال الوضيعة, ويتولى الفلسطينيون والمصريون التجارة, ويشرف الأوروبيون الذين يديرون حقول النفط والقطاع المصرفي على حركة الطائرات. ونظرا لاحتياطات الغاز الضخمة في البلد, لا يضطر القطريون الى العمل. وقد تكرر هذا النمط صعودا ونزولا في الخليج. ووجدت ان العراقيين من كافة المجموعات الاثنية والدينية أكثر جلدا وقوة واحتمالا. مع ذلك فان القطريين الذين التقيت بهم في اجتماعات باكرة في ذلك اليوم اظهروا موقفا استعلائيا تجاه الغالبية العراقية الشيعية, الذين اعتبروهم مزارعين منحرفين ومضللين. وعندما أشرت الى وجود طبقة شيعية مهنية قوية في العراق, بدا الارتياب على مضيفي بعباءاتهم الصيفية الناعمة". كان ذلك في يوم 4 حزيران/ يونيو2003.
وقد ارتفع عدد الوافدين الى قطر الآن الى 1.9 (واحد وتسعة أعشار المليون) وذلك حسب احصائيات البنك الدولي.. وان 24 % من الوافدين هنود، أي أن عدد الهنود في قطر يصل الى ضعف عدد القطريين (أصليين ومتجنسين بالجنسية القطرية)، وكذلك فان عدد النيباليين أكثر من القطريين, وأما العرب المغتربون في "قلعة العروبة والاخوان" فان عددهم أقل من الفلبينيين. وأما عدد القطريين الذين ذكرهم "بريمير" وهو 160.000 نسمة فان أكثر من نصفهم أجانب متجنسين بالجنسية القطرية. ولعلم العراقيين فان "نفوس قضاء خانقين" الآن بحسب ما مسجل رسميا 183.000 نسمة، اي ان نفوس خانقين أكثر من "نفوس قطر" أصليين ومتجنسين.
في أواسط التسعينيات انتقلت الى القاهرة من عملي في الصومال حيث كنت مسؤولا ثم ممثلا لمنظمة "الفاو"، ومسؤولا عن الزراعة والثروة الحيوانية، بعد أن أمضيت ثماني سنوات عصيبة في ذلك البلد المنكوب. وفي القاهرة عملت كمستشار اقليمي للفاو, وبحكم مهامي الرسمية بدول شمال افريقيا والشرق الأوسط، وكان عددها آنذاك 32 دولة، فقد زرت قطر مرات عديدة, علما بأن قطر، مثلها مثل دول الجزيرة الصحراوية، ليست لها مقومات زراعية مستديمة، ولهذا تحاول هذه الدول الصحراوية الاستحواذ على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية خارج حدودها، خاصة من دول فقيرة مثل اثيوبيا وكينيا, كما تفكر في الحصول على 7 ملايين دونم من الاراضي الزراعية في جنوب شرقي تركيا، وبالتالي سيستحوذ القطريون، أو بمعنى أدق سيشفطون مياه دجلة والفرات للحصول على غذاء للساكنين في الجزيرة العربية خاصة الوافدين الذين يتزايد عددهم بشكل خطير، حيث يبلغ تعدادهم أكثر من 4 أضعاف سكان الجزيرة الأصليين.
ومن المضحك والمبكي في نفس الوقت ان العراق يستورد الحليب (حليب بودر يضاف له ماء) من هذه الدول التي لا تملك العدد الكافي من الأبقار لتصدير الحليب، وأسواق العراق مليئة بلحوم الدواجن المستوردة من مشيخة رأس الخيمة، وان شاء الله سنستورد قريبا لحم غنم وأجبان من مشيخة أم القوين!
وفي مكتب الفاو في القاهرة بمنطقة الدقي حصلت على غرفة في الطابق الثامن. وفي الغرفه المليئة بالرفوف الحديدية والمكتظة بالكتب والمراجع في مجال اختصاصنا.. لاحظت أن أكثر الكتب والمراجع من مطبوعات المنظمة العربية للتنمية الزراعية المعروفة بكثرة مطبوعاتها، والتي كنت أشك في مستواها. والمنظمة العربية هذه منذ انشائها في الخرطوم كانت تحت هيمنة البعث العراقي والسوري. وبعد عدة أشهر من استقراري في مكتبي الجديد، حصلت على عدة دواليب زجاجية لخزن الكتب والمطبوعات المكدسة عشوائيا على الرفوف الحديدية. وقبل أن أغادر القاهرة، في العطلة الصيفية، طلبت من السكرتيرة تصنيف المطبوعات داخل الدواليب الزجاجية وحسب أسماء 32 دولة تابعة للمكتب الاقليمي للفاو في القاهرة.
وحال عودتي من اجازتي ودخولي المكتب كنت سعيدا للتغير الجميل الذي حصل للمكتب، ولكني لاحظت أن هناك خطأ كبيرا حيث المطبوعات التي تخص قطر قد احتلت رفوف دولابين من أصل ثلاثة موجودة في المكتب. هنا صرخت في المسكينة التي كانت معروفة بأدائها الجيد قائلا: "قطر.. قطر ايه يا مدام؟ هم عندهم زراعة أصلا؟!"، وقبل أن أنهي جملتي لاحظت الخطأ الذي وقعت فيه، فنظرا لأن المنظمة العربية للزراعة كانت تحت هيمنة البعث، لذا كانوا يستخدمون مصطلحات بعثية.. فالدول كانت تسمى أقطارا: القطر المصري والقطر العراقي.. الخ, لذا صنفت المسكينة كل الكتب والمطبوعات التي تخص 22 قطرا عربيا تحت اسم "قطر"!
أربيل 28 / 4 / 2013