ميخ( مسامير الكورديه) – 17 -جماعة الطين
9.2. 2003( نشر في صوت العراق)
منذ أيام قرر صدام حسين
إلغاء القرار 115 و الذي ينص على قطع أذن الفارين من الخدمة العسكرية ، هذه
العقوبة المستمدة من عقوبات مسلة حمورابي الشهيرة قبل 3845 عام ! . تذكرت و أنا
أقرأ هذا الخبر أيام كنت مجنداً في الجيش العراقي منذ أول كانون الثاني عام 1970 ،
و لتسعة أشهر ، حيث ألغى نظام البعث وقتها لأول مرة الرتب العسكرية لضباط الاحتياط
من حملة الشهادات الجامعية ، و إلحاقهم بالوحدات العسكرية كجنود ،
بينما أعطى صدام حسين في
المقابل رتبة نائب ضابط " تنكة " إلى الأميين و خريجي الابتدائية من
الموالين لحزب البعث ، ثم تم ترقيتهم بعدها بشهور إلى ضباط ، هؤلاء الآن يتربعون
في مناصب رفيعة بقمة الجيش العراقي .كنت قد أمضيت شهري تدريب في أوحال الكوت ، و
انتقلت بعدها إلى وحدة جبلية في الموصل (معسكر الغزلاني) ، و هي وحدة كانت مهمتها
تهيئة و تدريب البغال التي كانت تحمل العتاد و الجنود إلى الجبال الكردية ، حيث
تلاحق هناك من كانوا يسمونهم العصاة ! .
و كان وجود أمثالنا من
المتعلمين في الجيش العراقي برتبة جندي أول محاولات البعث لتخريب الجيش العراقي من
الداخل و جزء من مؤامرته على الجيش و المتعلمين معاً ، فقد كنا إداريا تحت سلطة رتب
أعلى منا من الأميين ، بينما تقنيا كنا مسئولين عن مهام عدة و نرأس هؤلاء و لنا حق
توجيههم و عقابهم !
كان يحدث أحيانا أن يتقرب
لي بعض الضباط و يتباسطون معي ، رغم أنهم في رتب أعلى مني ، و خاصة أن أحداً لم
يكن يعلم إلى فترة كوني كردياً .
كانت البغال و الدواب
التي أشرف عليها ضمن وحدة عملي ، و تضم نحو600 بغلاً ، موزعة على خمسة سرايا من
إسطبلات مبنية من اللبن( طوب مجفف باشعة الشمس) و الطين ، يجرى ترميمها دورياً ، و
لاحظت أن هناك بعض الجنود يعملون ليل نهار في هذه المهمة ، غارقين إلى وسطهم في الطين
يمزجون التراب بالتبن و الماء بألبستهم الداخلية فقط ، ولا يتغيرون ، كانوا نحو 40
شخصاً ، سلمت عليهم ذات مرة بالكردية ، ردوا السلام مندهشين ، تكرر ذلك كثيرا ،
إلى أن جاءني أحدهم محيياً و بالطبع مستفسراً ، عرفته بكوني مثله ، استبشر خيراً و
روى لي قصتهم ، قصة " جماعة الطين " !! . بهذا اللقب كانوا ينادون
الأكراد المجندين في هذه الوحدة بالجيش العراقي و الذين كانت مهمتهم تقتصر على
ترميم و بناء
إسطبلات البغال ، بل تكاد
تكون هذه المهمة في تلك الوحدة قاصرة على الأكراد ، و عرفت أيضاً أن 16 شخصا منهم
محبوسين بحجج واهية ، و لم يحصل أي منهم على إجازة ، حتى عندما ينتابهم المرض ، و
هو محتمل جدا في ظل الظروف اللا آدمية التي كانوا يعملون بها ، لم يكن ليحول أي
مريض منهم إلى المستشفى العسكري بسهولة بسبب تعنت الضباط و المسئولين ، و غالبا لا
يحصل من يكشف بالمستشفى العسكري على أي توصيف أو علاج لمرضه أو حتى إجازة للراحة ،
و كنت أصرف لهم سراً الأدوية و المضادات الحيوية المخصصة لعلاج الحيوانات أصلاً ،
لعلاجهم من الأمراض و الجروح التي كانت تنتج عن السلاسل التي كانوا يقودون بها الدواب
.
هكذا كان يتعامل الجيش
العراقي مع شركاء الوطن ، و يجب أن يكون الجيش في العراق الجديد لكل العراقيين ؟؟؟؟؟؟
No comments:
Post a Comment