بعد انتهائى من
مهمتى فى بريطانيا و بقائى لفترة مع عائلتى التى حرمت من وجودى المستمر معهم نتيجة
عملى المتنقل لعقود بين بلدان العالم الثالث ؛ سافرت الى القاهرة على متن طائرة مصر
للطيران و للامانة فأننى افضل الطيران دائما على مصر للطيران من اربيل الى القاهرة
ثم لندن و العكس ؛ اتيت الى القاهرة لامكث بضع ايام لرؤية اصدقائى و احبتى الذين ارتاح
لهم و لحبى العميق للشخصية المصرية حيث ان الصديق بها كما يقول المصريون ( صاحب صاحبه
) ؛ اثناء جلوسى فى الطائرة قادما من لندن رأيت لاول مرة مضيفة ترتدى الحجاب كنت اجلس
على المقعد الطرفى بجوار الممر و كانت المضيفة دائمة الحركة فى الممر الى درجة انها
كنت تصطدم بكتفى فى الذهاب و الاياب و هذا ما لفت نظرى لها لانها ذكرتنى بالنحلة النشيطة
دائمة الحركة و كانت مشغولة بتوزيع استمارات وصول المطار على الركاب و حين اتى دورى
سألتنى بحدة قبل ان تعطينى بطاقتى : ( انت مصرى و لا اجنبى ؟ ) وللحقيقة قد صدمت بطريقتها
الجافة فى السؤال و دهشت اكثر من سؤالها و اردت ان اصحح لها طريقة عملها و نصحتها ان
تسأل الركاب ب ( هل انت مصرى ام غير مصرى ) ولا داعى لكلمة اجنبى و ذكرتها ان فى ايام
الطاغية صدام عندما ينادون مصرى بأجنبى او يصفونه بذلك كان يعاقب العراقى على هذه الكلمة
و بدل ان تشكرنى على تنبيهها تمادت و قالت بجفاف ( ألا تعلم اننا بعد الثورة كل شىء
تغير عندنا فى مصر ؟ ) ثم سألتنى اذا كان عندى جوازين ( اى جوازين سفر ) و اخبرتنى
انها تملك جوزاين و رددت عليها وسط انتباه
الركاب بأن ما يبدو انها لديها جوزين ( اى زوجين ) و اختفت و لم اراها بعد ذلك فى الممر.
بعد مغادرتى الطائرة
لم اجد العدد الهائل من سائقى التاكسى الذين كانوا يستقبلون الركاب امام المطار كما
السابق و هذا دليل ان السياحة لم تسترد عافيتها فى مصر ؛ استقليت تاكسى للذهاب الى
البيت و كالعادة بدأت اسئلة السائق التى اعتدت عليها لكثرة تكرارها ثم بدأت انا اسئلتى
عن اسعار اللحوم و المعيشة و الخبز و انابيب الغاز و كل ما يخص و يهم المواطن فى مصر
؛ دائما سائق التاكسى فى مصر لا يتكلم فى السياسة مباشرة لديهم طرق خاصة و تشبيهات
خاصة فى الكلام و اخبرنى السائق بأن زمان قبل ايام الربيع العربى اى قبل الثورة فى
تونس و مصر و ليبيا و اليمن و على حد تعبير السائق و ان شاء الله قريبا سوريا تدخل
فى الربيع العربى اخبرنى ان شيوخ الاخوان و السلفيين و كل ما على شاكلتهم كان وجودهم
قبل الربيع العربى فى المساجد و باقى افراد الشعب يعملون فى كل مجالات الحياة كالتجارة
و و السياسة اما الان فقد جلبوا الناس الى المساجد و حلوا محل الناس فى التجارة و السياسة
و كل وظائف الدولة و اعتبرت هذا من احسن التعبيرات التى قيلت عن الربيع العربى فلقد
لخص الوضع فى جملة ؛ قبل نهاية حديثى معه قال لى بعد ان عرف اننى من العراق انه يتمنى
السفر الى العراق وظل يردد ( ياريت الواحد يلاقى سفرية للعراق ) و لاول مرة منذ سقوط
صدام اجد من يحسدنا على ما كنا فيه و ذكرته بأننى عندما كنت اخبر احد اننى من العراق
كان يقول لى العراق يعنى ضرب و احتلال و صراع و امريكا و قتلى قال لى : و لكنها مرحلة
و مرت عندكم فى العراق اما نحن فنخاف مما يحمله لنا المستقبل.
فى صباح اليوم
التالى استقللت تاكسى للتوجه الى شارع الاصلاح الزراعى فى الدقى حيث مقر وزارة الزراعة
و مكتب منظمة الاغذية و الزراعة ( الفاو ) و الذى عملت به لمدة 12 سنة كان السائق نبيها
فسألنى اذا كنت اعمل بالزراعة او لى علاقة باى عمل مرتبط بالزراعة ؟ اخبرته بأننى كنت
مستشار اقليميا فى المنظمة و انا حاليا متقاعد و على عكس القوانين كان يدخن فى داخل
التاكسى بعد ان استاذننى فى التدخين و بعد ان سحب نفس طويل من سيجارته ألتفت لى فى
الخلف و قال : ( تخيل ان مرشد الاخوان و الحاكم الحقيقى لمصر طبيب بيطرى و رئيس وزراء
مصر الحالى زراعى و اخصائى مياه فأستبشرنا نحن المصريون خيرا بأن اسعار اللحوم سترخص
و اسعار الخضروات و لكن حدث العكس ) تعجبت بأنه عرف ان مرشد الاخوان طبيب بيطرى لانى
اعرف بالفعل انه كان يعمل استاذا فى جامعة بنى سويف فى كلية الطب البيطرى و قد قابلته
مرة او مرتين انذاك عن طريق صديقى دكتور فاروق الدسوقى رئيس الجمعية البيطرية المصرية.
و عند عودتى للمنزل
ركبت تاكسى للمعادى و بما ان المسافة طويلة بين الدقى و المعادى و نظرا للاختناقات
المرورية التى تشهدها شوارع القاهرة بالاضافة الى مظهرى الذى يوحى للسائقين بالثقة
نظرا لشيبة شعرى التى تمنحنى لقب ( عم الحاج ) على حسب وصف المصريون ظل السائق يحدثنى
عن الدستور و عن التزوير الذى حدث فى الاستفتاء واقسم لى يمين بالله ان ابنته تعمل
فى مركز اشعة يملكه رجل اخوانى - و ذكر لى اسم المركز – انه ليلة الاستفتاء طلب منهم
صاحب المركز ان يتوجهوا للجان و يقولون نعم للدستور مقابل 50 جنيها للفرد و اخبرهم
انه سيحضر لهم اتوبيسا لينقلهم الى اللجان ؛ و عندما استفسرت و سألته كيف يضمن ان ابنته
ستقول نعم ؟ ابتسم و قال: كانوا يعطوهم نموذج مطابق لنموذج الاقتراع مؤشر بنعم يخبؤنه
و يضعونه فى الصندوق و يخرجون بالنموذج الثانى خالى بدون اى مؤشر ووصل به الامر انه
هدد العاملين معه بالفصل اذا لم يذهبوا للاستفتاء ؛ سألته هل اخذت ابنته ال50 جنيها
قال نعم اخذتها و اشترت بهم شنطة.