دجاج الحلال |
اليوم.. يوم سبت احدى الايام الخريفيه وقد استيقظت قبل قليل واتجهت مباشرة من سريري الذي يحتاج الى تغيير الشراشف ؛الى مطبخ شقتي المطلة على مطار اربيل الدولي لتناول نصف درزينه(دزينه) من الحبوب والكبسولات الطبيه الملونة والتي يجب ان اتناولها قبل الافطار بساعه مع كميه وفيرة من الماء. لقد لاحظت ظلمة المطبخ في هذه الساعه المتأخره من الصباح وحتى من دون النظرخلال الشباك عرفت باننا سنعايش يوم مغبر اخر والذي نسميه بالعاميه العراقيه"عجاج". ان ايام العجاج في بلادنا بجنوبه وشماله اصبحت اكثر بكثير من الايام الصاحيه. وكان العجاج في الايام الخوالي غير محبب وقليل وكان يشار اليه بسؤء طالع اذ كان هناك مثل عراقي يقول "ناس تاكل دجاج وناس ته تلكه عجاج" فالعراقيين جميعهم والملمين بلغة العراق يفهمون المثل ويشير الى التقسيم الازلي بين المحظوظين وغير المحظوظين. إذ كان الغبار الاحمر "العجاج" هو اسوأ مايتجرعه العراقي والدجاج من دون تنافس كانت اطيب اللحوم عندهم واحسن مايتناوله الشخص.
العجاج |
اليوم قررت ان لاافكر بالامن الغذائي الكوردي ولا بالعراقي ولا بالعالمي بل بالامن الغذائي الشخصي. ان الثلاجه في المطبخ خاليه من الطعام المطبوخ وانا احوج الى الطعام المطبوخ والمحضر بشكل خاص لكوني اشكو من المرض السكري لاكثر من ربع قرن. لذا تركت دجاجه جامده ذات كفن بلاستيكي على طاولة المطبخ ليل امس على امل ان تكون ذابت اليوم لاعمل بها طعام ممل وغير لذيذ يوفي بمواصفات وشروط تغذية المصابين بدأ السكري والتي نادرا ما اتبع والتزم بها ربما لحياة الوحدة التي عشتها لأكتر من اربعة عقود سعيا وراء لقمة العيش في دول كثيره من دول العالم الثالث ومنها من كانت اكثر من متخلفه.
بعد ان اخذت جرعه الماء مع الحبوب والكبسولات الستة وقع عيني على الدجاجه "الفرخه" المسكينه ذات الكفن البلاستيكي والمكتوب عليها اسم الشركه المستوردة وبلد المنشأ ( البرازيل ) والتأكيد بأن الفرخة مذبوحة بالطريقة الاسلامية الشرعية - اي لحم الحلال- . نعم ان الدجاحه المسكينة الجاثمة على طاولة مطبخي في احدى شقق زكريا في دشت هولير(سهل اربيل) في كوردستان كانت تعيش "ربما" قبل اشهر في قفص ضيق في مزرعة ضخمه للدواجن في ارض تدعى البرازيل تبعد13393 كم عن طاولة مطبخي.
ديوان كسرى العادل-طاق كسرى |
في خمسينيات القرن الماضي حيث كنا اطفالا في بغداد القديمه قبل تغير معالمها وتركيبتها السكانيه والى الابد .كانت لنا ثلاثة او اربعة رحلات عائلية في السنة خارج البيت,واحدة الى النجف الاشرف ولمدة اسبوعين لزيارة مقبرة السلام ليتسنى لامهاتنا بالبكاء على قبور موتانا ومنهم من كان قد شبع موتا. ان القبور ماكانت الا حائط مبكى حيث كانت امهاتنا وعماتنا يذرفن الدموع الغزيره المخزونه لديهن وتفريغها لمآسي واحزان عاشوها طيلة السنة على قبور موتانا. كذالك كنا نقوم بزيارة او زيارتين ولنهار واحد الى ضريح الامام الكاظم في الكاظمية والقريبة من بغداد والتي كانت احدى الفرص النادرة لتناول كباب الكاظم والطرشي "مخلل" للغذاء في صحن الامام الكاظم.
واما الرحلة الثالثة و كانت عادة في احدى ايام العيد فكانت لايوان كسرى أو طاق كسرى العادل كما يعرف محلياً، هو الأثر الباقي من أحد قصور كسرى العادل آنوشروان، ويقع جنوب مدينة بغداد في موقع مدينة قطسيفون وتعرف محليا ولدى العامة ب (سلمان باك او طاق كسرى) على اسم الصحابي الشهير سلمان الفارسي المدفون هناك. الزيارة هذه كنا نحبها وننتظرها طيلة السنة ولو انها كانت ليوم واحد لانها كانت رحلة للراحة والاستجمام بدل رحلة للطم والبكاء و النحيب وذرف الدموع على القبور والاضرحه. فطوال الطريق كنا نهزج " الى مايزور السلمان عمره خساره" معناه من لم يزور طاق كسرى فان عمره خساره.
اني اذكر سفرة سلمان باك الان كأن له علاقة بالامن الغذائي للعا ئله حيث كان ابي يشتري عدد من الدجاج من هناك وذلك لتربيتها فوق سطح بيتنا وذبح بعضها بين الحين والاخر وحال استهلاكها كنا نشتري الدجاج الحي من سوق الصدريه والتي كانت تبعد من بيتنا اقل من كيلو متر واحد ونذبحها في البيت ونستعمل ريشها للوسائد ( المخدات ) .ما احاول ان اذكره بان الدجاجة اللذيذه التي كنا نأكلها كنا نعرف مصدرها وربما عاشت فوق سطح بيتنا لااشهر قبل ذبحها وذرفنا الدموع عليها وهي تنحر في حوش البيت وامامنا جميعا وليست كالدجاجة البائسة الموجودة على طاولة مطبخي الان والتي قطعت مسافة 13393 كم للوصول الى مطبخي في هذا اليوم المغبر. والتي كان من المفروض خزنها بدرجة"-18"من ساعة خروجها من المجزره من ولاية بارنا البرازيليه وحتى وصولها شقتي في اربيل,ياترى هل تم ذالك؟؟
اني اذكر سفرة سلمان باك الان كأن له علاقة بالامن الغذائي للعا ئله حيث كان ابي يشتري عدد من الدجاج من هناك وذلك لتربيتها فوق سطح بيتنا وذبح بعضها بين الحين والاخر وحال استهلاكها كنا نشتري الدجاج الحي من سوق الصدريه والتي كانت تبعد من بيتنا اقل من كيلو متر واحد ونذبحها في البيت ونستعمل ريشها للوسائد ( المخدات ) .ما احاول ان اذكره بان الدجاجة اللذيذه التي كنا نأكلها كنا نعرف مصدرها وربما عاشت فوق سطح بيتنا لااشهر قبل ذبحها وذرفنا الدموع عليها وهي تنحر في حوش البيت وامامنا جميعا وليست كالدجاجة البائسة الموجودة على طاولة مطبخي الان والتي قطعت مسافة 13393 كم للوصول الى مطبخي في هذا اليوم المغبر. والتي كان من المفروض خزنها بدرجة"-18"من ساعة خروجها من المجزره من ولاية بارنا البرازيليه وحتى وصولها شقتي في اربيل,ياترى هل تم ذالك؟؟
ان هذه الدجاجه الموجوده على الطاوله وصلتني كوحدة متكامله وليست كقطع مثلما تباع في مطاعم الدجاج وبمسميات كثيره والتي ربما استورد كل قطعه منها من دوله مختلفه(امريكا,برازيل ,ايران ,تركيا) ويتم تجميعها في علبة كرتونية بعد ان تقلى بزيت اعيد استعماله عدة مرات و يستهلكها المواطن المسكين وعادتا مصحوبا بعائلته في المطعم او ( تيك اواى ) يتناولونه ا مع الكاتشوب وبالهناء والشفاء. والغريب اني لاحظت ان بعض العلب الكارتونيه الحاويه على قطع الدجاج هذه و المتعددت الجنسيات,مكتوب عليها وبالغه الانكليزيه حافظ على نضافة بريطانيا؟؟؟
بعد كل هذا أليس اكل الدجاج و تلقي العجاج متساوية. وللخروج من هذه الدوامه علينا ان نركز على انتاجنا المحلي.؟؟
تحياتي الخالصة دكتور طالب العزيز،
ReplyDeleteاعجبتني مقالتك التهكمية المتضمنة لذكريات جميلة عن الايام التي كنا لا نزال في مجتمع تزينه قيم و عادات جميلة و لم تتمكن الانظمة و الاحزاب السياسية من تدمير منظومته القيمة كما هي الان. الكتابة عن الايام الخوالي تشكل مادة مهمة لمن سيكتب التاريخ فلا تبخل عليهم بذكر التفاصيل التي قد لا تراها مهمة ولكنك عايشتها و خصوصا في بغداد عندما كان الكرد و بخاصة الفيليون منهم يشكلون نسبة مهمة من السكان و لم تصهرهم المفاهيم المذهبية بالطريقة التي تحدث الان. انا اسف لعدم مراسلكتم خلال الفترة السابقة لأنشغالي بالام الظهر الملعون التي لا تدعني ان اتمتع بقراءة ما يكتب على الانترنيت.
مع تحياتي للمجموعة المنكوبة في الطابق الثالث.
جبار قادر
هولندا