Feb 9, 2003- نشر في موقع صوت العراق
ميخ- 18
مثل كل أطفال العالم كان لنا نحن أطفال بغداد العديد من اللعبات الخاصة ، الفردية و الجماعية ، رافقتنا في طفولتنا و صبانا ، و لا تزال للآن قابعة في خيالنا نستدعيها كلما اشتدت بنا وطأة الحياة ، نتذكر معها البلد الذي أكرهنا على تركه منذ عقود ، و من بين ألعاب طفولتنا كان هناك : الدعابل ، الجعاب (عظم من ساق الخروف ) ، الزار و اللكو ( النرد ) ، المصاريع ، السيفون : حيث كنا نفتح زجاجة المشروبات الغازية محلية الصنع ونقيس أطول خط يمكن أن يصنعه أحدنا من مكونات زجاجة واحدة ! ، كان هناك اصطياد الزنابير الصفراء الكبيرة بواسطة التمر ، ثم البوتاز و هو نوع من الألعاب النارية ، و أيضا لعبة تخمين عدد بذور الفاكهة خاصة البرتقال . كان هناك لعب موسمية و أخرى مرتبطة بالمناسبات مثل نوروز ( دورة السنة ) ، و كان هناك ألعاب موسمية و انتهازية حيث كنا نتحين فيها الفرص لاصطياد الطيور باستخدام المصيادة ( النبلة ) التي كنا نحملها في الجيوب الجانبية لدشداشاتنا (جلابيه) ، كنا نختارالطيور الجاثمة في استكانةعلى أفرع الأشجار خاصة أشجار النبق ( السدرة ) ، و كنا نطلق على الحمام المنتشر في منطقتنا اسم "شيخلي " كونه يتواجد بكثرة في منطقة مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني في باب الشيخ ذات الأشجار الكثيرة ، و كنا أحيانا نذهب للمناطق خارج محلاتنا جماعات ( جوكة ) خشية أطفال هذه المحلات التي كنا نغزوها ! .
في إحدى غزواتنا الطفولية بقرب مرقد الإمام الكيلاني ، أصاب أحدنا طائرا فوقع فاقد الوعي على الأرض و أردنا إنقاذه بهزه و نفخ الهواء في ريش جناحيه ، و رآنا الخال أبو راضي على هذا الحال و الحيرة فاقترح علينا " إذا أردتم أن يبقى الطير حياً فانفخوا في مؤخرته " عملنا بمشورة أبو راضي ، و أخذناها سره(طابور) كل ينفخ لفترة حتى مات الطائر !! .
ان هذه الخاطرة تذكرني بما يحدث الآن للطاغية صدام حسين ، فهو على مشارف الموت و لفظ أنفاسه الأخيرة و مع ذلك هناك من العرب و الغرب من يحاول إبقاءه على وجه الحياة بنفس طريقة أبو راضي أي بالنفخ فيه ، رغم علمهم أنها ستأتي بنفس النتيجة و سيرحل صدام مهما حاولوا النفخ فيه ، هؤلاء النفاخون يصلون إلى بغداد أفواجاً أفواجاً : من وفود تجارية فرنسية و روسية و ذلك ضمن برنامج النفط و النفخ مقابل التجارة ، توني بين ديناصور اليسار البريطاني الذي أعادت أضواء أجهزة الإعلام شبابه الغابر ، وفود معلمي الصومال التي لم يعد بها مدارس و لا معلمون منذ نهاية الثمانينات ، وفود معلمي سوريا الذين جاؤا عملا بالقول " هي زيارة و تجارة " ، و بقايا اليمين و اليسار المتطرف الذين ينطبق عليهم القول " دلال و ضاع له حمار" ، وفد يماني ( يمني) يجيئون بخناجرهم المنسدلة على خصورهم لدعم صدام صاحب أكبر متحف خناجر في العالم ، وفود فنانين عرب قدموامسرحياتهم للطاغية ضمن برنامج النفط مقابل النفخ ، و آخرون قدمواالأغاني لابن الطاغية ضمن برنامج المرسيدس أم عيون مقابل النفخ ، و حتى بعض الماركسيين القدامى قدموا إلى بغداد ناسين ماضيهم ومتنصلين من حقيقة اليسار ، حاملين شعار يا نفاخي العالم اتحدوا.
و حتى عبد الباري عدوان الذي لم يتمكن من حضور حفلات النفخ لحسابات خاصة به ، هاهو لا يبخل على صدام بنفخة قوية عندما أطل مؤخرا على المشاهدين الأبرياء لقناة ال CNN ، و حتى الشيخ أحمد ياسين الذي لم يستطع السفر لبغداد لظروفه الصحية المتدهورة والتي تعيقه أيضا عن النفخ في صدام نجده ينفخ في صدام بطريقته حيث يخرج بالدعاية الدينية التي تصور صدام حاميا للإسلام .
ندعو الله العلي العزيز أن يقطع أنفاس هؤلاء النفاخين .
No comments:
Post a Comment