ميخ -2-
كتب ونشر في صوت العراق في يناير 2003 باسم ابو دارا
مازلت أتابع أخبار العراق الذي تركته منذ أكثر من ثلاثة عقود و لم يتركني ، هزني خبر العفو العام الذي أطلقه الطاغية ، و ما كثرة هزاتي من تصريحاته العجيبة ، عادت بي ذاكرتي بعيدا ، بعيدا جدا إلى عام 1974 لم أكن هناك وقتها ؛ كنت في بريطانيا أكمل دراستي العليا كانوا يحتفظون لي في منزل العائلة بصورة كبيرة ملونة(صورة الغائب) داخل جرجوبة – برواز جميل مذهب .
جاء البعثيون البرابرة إلى منزلنا مثلما حلوا – بعدها بأعوام كالجراد على منازل كل الاكراد الفيليين بالعراق وقتها . قلبوا الدار "فوك جوه " ، كانت التهمة أن اخي مشترك في الثورة الكردية ، كان العقاب جماعيا ، أخذوا أمي و أختي بملابس البيت في عز برد آذار . و لم يكن مسموحا لهم حتى بحضور عملية التفتيش و المصادرة ، وقفوا هناك يلقون النظرة الأخيرة على حطامهم الذي وضعوا فيه تاريخهم كله .
الصور و الكتب القديمة و الكتب الدينية المقدسة و الادعية و أوعية الطعام و أزر الأسرة و ستائر الحوائط و الملابس التقليدية و أردية النسوة المزركشة و حتى جهاز التسجيل الوحيد الذي كانت تلتف حوله الأسرة و بعض الجيران لسماع أغاني حضيري أبو العزيز و عمر دزة ئي ، عربية و كردية على السواء .
باعوا ما تبقى في مزاد علني بعد ان اخذو النفيس منه تحت اشراف الأزلام !!!!!!!!
كانوا يحتفظون بصور عدة للعائلة و لي بالأخص صور كثير منذ طفولتي ، مزقها البعثيون بكل ضراوة كأنهم يمزقون شخصا حيا ، بقت لي صورة وحيدة على الحائط ، جاءت إحدى قريبات العائلة إلى المزاد على ما تبقى من متاعنا المنزلي ، و تظاهرت أنها عربية و كأنها من غير العائلة ، و زايدت على صورتي لشرائها حتى تأخذها إلى أمي في ايران التي لم ترني منذ سافرت و لم أكن فارقتها من قبل أبدا ، و التي أيضا لم ترني بعدها الا مرة واحدة و أخيرة ، حصلت القريبة على الصورة و دفعت ثمنها خرجت من المنزل – المزاد ، و لكن أحد البعثيين ناداها و سالها أنتي تريدين الجرجوبة- البرواز اليس كذلك ردت خائفة : نعم فقال لها اذن ما حاجتك بصورة هذا الشاب الذي بداخل الاطار انه كردي فيلي يعمل مع المتمردين الأكراد ؟ ، و أخرج الصورة في لمح البصر و مزقها و داسها بقدمه و أعطاها الاطار و خرجت قريبتي صامتة ، كانت المسكينة تريد أن تحتفظ لأمي بصورة ابنها الغائب و خاطرت بهذه التمثلية و لكن حدث ما حدث .
لم يسمحوا لأي من آل البيت بأخذ شيء و لا حتى الأغراض و رحلوهم قسرا على مدار اربعة عشر يوما متصلين إلى أن ألقوا بهم إلى بستان على حدود التماس مع البيشمركة الكردية بشقلاوة قائلين لهم " اذهبوا إلى ملا مصطفى " ، و قرب الفجر جاءت طائرتان عسكريتان و دكتا البستان تماما ، و بالصدفة و في المساء الذي وصلوا فيه كان الجميع قد هربوا ، هربوا بالصدفة و لم يكونوا قد توقعوا هذا الانتقام الغادر و القصف بطائرات حربية لعائلة من النساءء و الأطفال و العجائز .
الآن يعفون عن المسجونين و المعتقلين و الآن أسألهم : لو يردون لي صورتي عندما كنت شابا و لو يعيدون لي أمي التي لم تستطع أن تراني و لا حتى أن تحتفظ لي بصورة الغائب ، هل سيعيدون لي أصدقائي و أهلي و زملائي ، هل سيعيدون لي 33 عاما من الغربة المتصلة ، ساعتها و ساعتها فقط قد أفكر حقا في ألا انتقم منهم و لكن ليس العفو عنهم ، فالعفو يبقى من عند الله .
No comments:
Post a Comment