ميخ 12 : ميونخ والكاظم
أبو دارا
موسوعة صوت العراق، 12/1/2003
كان أبي رحمه الله عطار الطرف (صاحب دكان بالمحلة) وكان حينا الكبير مركزاً للكرد الفيلية القادمين من خارج العاصمة والقرى البعيدة من شرق نهر دجلة وحتى جبال بشتيكو بإيران، يذهبون ويجيئون أكثر من مرة إلى الحي الذي نقطن فيه، أكراد فيلية قادمون من بدرة وجصان وكوت ومندلي والصويرة وعلي الشرقي وزرباطية والعمارة، كنت منبهراً في صغري بهذا الجو الحافل بالقادمين من كل صوب وحدب، وكانت أرى الرجال يرتدون الملابس العربية المميزة بالعقال والكوفية والعباءة ومع ذلك أسمعهم يتحدثون بلهجتنا نحن الكرد الفيلية مخلوطة بلهجة عربية جنوبية، لم يكن الاهتمام بالشكل الخارجي محل اهتمامنا فقد كنا نعي وقتها أننا أكرادا وكفى.
ذات يوم وصل إلى منطقتنا أقارب لنا لا أتذكر إن كانوا من علي شرقي أم من علي غربي، ولظروفهم المادية المتعثرة ـ كحالنا جميعاً بالعراق ـ نزلوا في إحدى الغرف التي تؤجر للغرباء (نزل) وصارت صداقة لي مع ابنهم الأصغر الذي كان دائم الشكوى من عدم وجود نخيل في حوش المنزل الذي يقطنون إحدى حجراته، أما أخيه الأكبر فقد حصل على فرصة عمل في ألمانيا وتحديداً في ميونخ، وبما أن والدي وقتها كان المستشار الأول والأخير لهذه العائلة فقد جاءت قريبتنا والدة الشاب المسافر إلى ميونخ تسأله (عيوني أبو راض( الله يخلي لك خالد ..، بالله عليك : ميونخ هاي وين صايرة .... جاي من الكاظم ؟ ولا غادي من الكاظم ؟)
هكذا كان تفكيرها تلك المرأة البسيطة حيث يعد مرقد الإمام موسى الكاظم الذي يقع على مسافة 20 كم شمال بغداد هو نهاية الدنيا بالنسبة لها، وكانت تريد أن تعرف هل سيتغرب ابنها عن هذه النقطة ؟
الآن ومع مرور السنين تغربنا كلنا بعيداً عن مرقد الكاظم بأميال عديدة وحتى أبعد من ميونخ ! وصار طشارنا ماله والي، حطت بنا الطرق إلى دول وبلدان لم نكن حتى نسمع عنها، تشتت العراقيون الملتصقون دوما بأرضهم حتى وصل تعدادهم في الشتات إلى ما يقرب من أربعة ملايين نسمة بسبب سياسات القمع والتهجير والتعريب والتعذيب التي قامت بها حكومات البعث المتوالية منذ أربعين عاماً، وكلنا أمل أن تجعل الحكومة الجديدة بالعمل بجد وعدل حتى تدفع كل أبناء العراق يعودون إليه ويصبحون كلهم " جاي من الكاظم ".
فيا أبا الجوادين، ارجع للأمهات أولادها، وللأخوان أخوانهم، و للزوجات أزواجها، ولمسلوبي الحقوق حقوقهم، وخلصنا من المتكبرين، واجعل هذه السنة أربعينية للظالمين اللهم آمين، يارب العا لمين.
موسوعة صوت العراق، 12/1/2003
كان أبي رحمه الله عطار الطرف (صاحب دكان بالمحلة) وكان حينا الكبير مركزاً للكرد الفيلية القادمين من خارج العاصمة والقرى البعيدة من شرق نهر دجلة وحتى جبال بشتيكو بإيران، يذهبون ويجيئون أكثر من مرة إلى الحي الذي نقطن فيه، أكراد فيلية قادمون من بدرة وجصان وكوت ومندلي والصويرة وعلي الشرقي وزرباطية والعمارة، كنت منبهراً في صغري بهذا الجو الحافل بالقادمين من كل صوب وحدب، وكانت أرى الرجال يرتدون الملابس العربية المميزة بالعقال والكوفية والعباءة ومع ذلك أسمعهم يتحدثون بلهجتنا نحن الكرد الفيلية مخلوطة بلهجة عربية جنوبية، لم يكن الاهتمام بالشكل الخارجي محل اهتمامنا فقد كنا نعي وقتها أننا أكرادا وكفى.
ذات يوم وصل إلى منطقتنا أقارب لنا لا أتذكر إن كانوا من علي شرقي أم من علي غربي، ولظروفهم المادية المتعثرة ـ كحالنا جميعاً بالعراق ـ نزلوا في إحدى الغرف التي تؤجر للغرباء (نزل) وصارت صداقة لي مع ابنهم الأصغر الذي كان دائم الشكوى من عدم وجود نخيل في حوش المنزل الذي يقطنون إحدى حجراته، أما أخيه الأكبر فقد حصل على فرصة عمل في ألمانيا وتحديداً في ميونخ، وبما أن والدي وقتها كان المستشار الأول والأخير لهذه العائلة فقد جاءت قريبتنا والدة الشاب المسافر إلى ميونخ تسأله (عيوني أبو راض( الله يخلي لك خالد ..، بالله عليك : ميونخ هاي وين صايرة .... جاي من الكاظم ؟ ولا غادي من الكاظم ؟)
هكذا كان تفكيرها تلك المرأة البسيطة حيث يعد مرقد الإمام موسى الكاظم الذي يقع على مسافة 20 كم شمال بغداد هو نهاية الدنيا بالنسبة لها، وكانت تريد أن تعرف هل سيتغرب ابنها عن هذه النقطة ؟
الآن ومع مرور السنين تغربنا كلنا بعيداً عن مرقد الكاظم بأميال عديدة وحتى أبعد من ميونخ ! وصار طشارنا ماله والي، حطت بنا الطرق إلى دول وبلدان لم نكن حتى نسمع عنها، تشتت العراقيون الملتصقون دوما بأرضهم حتى وصل تعدادهم في الشتات إلى ما يقرب من أربعة ملايين نسمة بسبب سياسات القمع والتهجير والتعريب والتعذيب التي قامت بها حكومات البعث المتوالية منذ أربعين عاماً، وكلنا أمل أن تجعل الحكومة الجديدة بالعمل بجد وعدل حتى تدفع كل أبناء العراق يعودون إليه ويصبحون كلهم " جاي من الكاظم ".
فيا أبا الجوادين، ارجع للأمهات أولادها، وللأخوان أخوانهم، و للزوجات أزواجها، ولمسلوبي الحقوق حقوقهم، وخلصنا من المتكبرين، واجعل هذه السنة أربعينية للظالمين اللهم آمين، يارب العا لمين.
(ابو دارا = طالب مراد)
No comments:
Post a Comment